المغرب يتجه يمينا.. هكذا تراهن الرباط على الأحزاب المحافظة لمناصرة قضاياها داخل الاتحاد الأوروبي
من يعرف المسار السياسي لماتيو سالفيني، وزير الداخلية الإيطالي السابق، يعلم يقينا أن خطاباته عادة لا تحمل الكثير من الود خاصة للدول التي تصنف في خانة "مُصدري المهاجرين"، لذلك، فإن تصريحاته يوم أمس الخميس بخصوص المغرب، الذي وصفه بأنه "البلد الأكثر استقرارا في منطقة جنوب المتوسط وشمال إفريقيا" والذي شدد على ضرورة "تسريع وتحسين العلاقات معه"، تبدو مثيرة للاستغراب، إلا بعد استحضار العمل الدبلوماسي الذي أضحى المغرب يقوم به مع الأحزاب اليمينية الأوروبية.
ولم يتعود سالفيني، وهو رئيس حزب الرابطة الساعي لتصدر المشهد السياسي الإيطالي وقيادة الحكومة مستقبلا، على إطلاق عبارات الود بإسهاب تجاه دول جنوب المتوسط، لكنه أمس بدا داعما قويا للرباط حتى في صراعها مع مدريد داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي حين أورد أن حزبه "لا يشاطر البرلمان الأوروبي في بعض اختياراته" تلميحا لمعارضته قرار "رفض استخدام المغرب للقاصرين" خلال موجة الهجرة غير النظامية إلى سبتة، ليكون بذلك آخر الزعماء السياسيين اليمينيين الذين استطاع المغرب الحصول على موقف إيجابي منهم لصالح قضاياه.
سالفيني.. لا للهجرة، نعم للمغرب
وكان سالفيني، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية ما بين يونيو 2018 وشتنبر 2019، والشهير بخطابه المعادي للمهاجرين غير النظاميين، قد التقى بسفير المغرب في روما يوسف بلا، ليصرح بعدها لوكالة الأنباء المغربية الرسمية باقتناعه بضرورة أن يكون المغرب "المحاور الأول (لأوروبا) لاعتبارات اقتصادية وتجارية وثقافية وفيما يتعلق بالتعاون ومجال الأمن"، منوها بما تقوم به الرباط للتصدي للهجرة غير النظامية بالقول "لو كانت جميع البلدان المتوسطية لديها موقف جاد وتتعاون كما يفعل المغرب لكانت لدينا مشاكل أقل بكثير".
ويبدو اللقاء الأخير بين السفير المغربي وسالفيني جزءا من حملة دبلوماسية أوسع شملت أحزاب وقادة اليمين الأوروبي الموجودين في الأغلبية والمغاربة، والتي اتضحت ملامحها في إسبانيا وبولندا وهنغاريا، لكن بعض المعطيات تؤكد أن العمل مع سالفيني بدا أبكر من الآن وتحديدا عندما كان عضوا في الحكومة في ماي من سنة 2019 حين نشر تغريدة عبر "تويتر" يشكر فيها السلطات الأمنية المغربية التي اعتقلت أحد قادة المافيا الإيطالية المبحوث عنهم.
ولم يدم وجود سالفيني داخل الحكومة طويلا بعد هذا "الخطاب الودي" تجاه المغرب، إذ دخلت إيطاليا بعدها بشهور في أزمة حكومية انتهت بتعديل في الأغلبية أجبر حزب الرابطة على الخروج منها، لكنه عقب ذلك عاد إلى الواجهة بقوة بعد أن احتل الرتبة الأولى في انتخابات البرلمان الأوروبي داخل إيطاليا سنة 2021 ثم عاد للتحالف الحكومي عقب أزمة "كورونا" في 2021 ويبدو حاليا المرشح الأبرز لتصدر الانتخابات العامة في 2023، الأمر الذي يبدو أن الرباط انتبهت له مبكرا.
كاسادو.. بديل سانشيز المنتظر
ولكن المغرب لا يُحضر للمرحلة المقبل في إيطاليا فقط، بل العمل الأهم هو ما يقوم به في إسبانيا، بالنظر إلى توقيته الذي يأتي متزامنا مع الأزمة الأسوأ من نوعها بين الرباط ومدريد منذ 2002 والتي بدأت شرارتها بتصريحات مسؤولين حكوميين إسبان داخل التحالف اليساري تناوئ الطرح المغربي بخصوص قضية الصحراء، وبلغت ذروتها مع دخول زعيم "البوليساريو"، إبراهيم غالي، سرا وبواسطة جواز سفر دبلوماسي يحمل هوية مزورة إلى الأراضي الإسبانية، ثم تصاعدت مع دخول الآلاف من المهاجرين غير النظاميين إلى سبتة.
ففي غمرة كل ذلك كان المغرب يرتب أوراقه مع الرجل الذي يبرز حاليا كأبرز مرشح لخلافة بيدرو سانشيز على رأس الحكومة الإسبانية، ويتعلق الأمر ببابلو كاسادو زعيم الحزب الشعبي المحافظ، ففي 11 ماي الماضي، وفي غمرة الغضب المغربي من مدريد، كانت الدبلوماسية الحزبية تلعب دورها معه حين عقد اجتماعين عبر الفيديو بكل من عزيز أخنوش بصفته الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار ونزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، وخلالهما أعلن عن نيته تعزيز العلاقات مع الرباط بل وتعهد، في حال ترؤسه للحكومة، بأن تكون أول زيارة له إلى المغرب في إعادة للعرف الذي كسره سانشيز.
والمثير أكثر هو تصريحاته بخصوص دخول غالي إلى إسبانيا حين اتهم حكومة بلاده بالإخلال بمسؤوليتها التاريخية تجاه المغرب حين سمحت بدخول زعيم "البوليساريو" إلى أراضيها واصفا هذا الأمر بـ"التهور الكبير"، كما دعا إلى التعجيل بإعادة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها، في الوقت الذي كان فيه حزبه، الذي يقود المعارضة البرلمانية، يُسائل الحكومة حول إلى البلاد بشكل غير قانوني، بل حتى خلال أزمة سبتة ظل كاسادو مصرا على ضرورة إنهاء الأزمة مع المغرب باعتباره "بلدا حليفا".
بولندا.. اعتراف "اقتصادي" بمغربية الصحراء
ومن غرب القارة إلى شرقها، ومن أحزاب المعارضة إلى أحزاب الأغلبية، انتقلت الدبلوماسية المغربية لبناء علاقات جديدة مع أحزاب اليمين الأوروبي، على غرار ما يجري في بولندا مع حزب "القانون والعدالة" الحاكم، الذي حضر مجموعة من أعضائه ضمن الوفد الوزاري الذي زار مقر السفارة المغربية في وارسو أواخر ماي الماضي، والتقى بالسفير المغربي عبد الرحيم عثمون، تزامنا مع وقوع تغير ملحوظ في تعامل هذا البلد العضو في الاتحاد الأوروبي مع ملف الصحراء.
ففي السنوات الأخيرة، التي وصل فيها حزب رئيس الجمهورية أندجي دودا إلى صدارة المشهد السياسي دون أي منافسة تقريبا، بدا أن وارسو أصبحت لا ترهن نفسها كثيرا بالموقف الأوروبي حول الصحراء، وتحديدا في المجال الاقتصادي، عن طريق السماح لمختلف الشركات البولندية بالاستثمار في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهو ما برزت ملامحه بوضوح بداية شهر يونيو الحالي حين التقى مسؤولو مؤسسات صناعية بالسفير المغربي تمهيدا لفتح وحدات لها في المنطقة لإنتاج معدات النقل واللوجيستيك للاستخدامات المدنية والعسكرية.
وبرز هذا التقارب بين المغرب وبولندا منذ وصول حزب القانون والعدالة إلى الحكم لأول مرة وبأغلبية مطلقة سنة 2015 وتكراره الأمر سنة 2019، ووصول زعيمه دودا إلى رئاسة الجمهورية عام 2015 وحصوله على ولاية ثانية في 2020، والمتوقع أن يتطور الأمر من الدعم الضمني للموقف المغربي في ملف الصحراء عبر بوابة الاستثمارات، إلى الدعم السياسي الصريح لمبادرة الحكم الذاتي، خاصة بعد الخطوة التي قامت بها هنغاريا حليفة بولندا.
هنغاريا.. يميني شعبوي صديق للرباط
وتمثل هنغاريا، أحدث مشاهد اختراق الرباط للجمود السياسي الأوروبي بخصوص ملف الصحراء، فالبلد الذي يقود حكومته حزب الاتحاد المدني المجري "فيدس" المنتمي إلى اليمين المحافظ، بزعامة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، كان أكثر دول الاتحاد الأوروبي صراحة في الإعلان عن موقف داعم للوحدة الترابية للمغرب، أكثر حتى من فرنسا التي سبق أن أعلنت دعمها لمقترح الحكم الذاتي.
وفي الوقت الذي ترفض فيه دول أوروبية مثل ألمانيا وإسبانيا إعلان موقف مختلف عن ذاك المتمثل في "دعم حل سلمي متفق عليه بين أطراف النزاعة برعاية الأمم المتحدة ووفق قرارات مجلس الأمن"، أخذت بودابيست خطوات إلى الأمام باتجاه الرباط، وذلك خلال زيارة بيتر زيارتو، وزير الخارجية والتجارة الهنغاري إلى المملكة الأسبوع الماضي، حيث وقع مع ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، إعلانا مشتركا بدعم مخطط الحكم الذاتي في الصحراء.
ويمثل التقارب المغربي المجري أبرز وجه لـ"البراغمتية" التي تتعامل بها الرباط مع اليمينيين الأوروبيين، فالأمر يتعلق بحزب يُصنف في خانة "اليمين الشعبوي" ورئيسه متهم بمعاداة المهاجرين وسبق أن أعلن رفض بلاده استقبال اللاجئين المسلمين، لكنه في المقابل صار أشد خصوم ألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي، الدولة التي قطعت الرباط معها علاقاتها الدبلوماسية مؤخرا.